فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {أولم يتفكروا ما بصاحبهم} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم {من جنة} يعني من جنون قال قتادة ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قام على الصفا ليلًا فجعل يدعو قريشًا فخذًا فخذًا «يا بني فلان يا بني فلان إني لكم نذير مبين» وكان يحذرهم بأس الله ووقائعه فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون بات يصوّت إلى الصباح فأنزل الله: {أولم يتفكروا} والتفكر التأمل وإعمال الخاطر في عاقبة الأمر والمعنى أو لم يتفكروا فيعلموا ما بصاحبهم يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم من جِنة والجنة.
حالة من الجنون وإدخال لفظة من في قوله من جنة يوجب أن لا يكون به نوع من أنواع الجنون وإنما نسبوه إلى الجنون وهو بريء منه لأنهم رأوا أنه صلى الله عليه وسلم خالفهم في الأقوال والأفعال لأنه كان معرضًا عن الدنيا ولذاتها مقبلًا على الآخرة ونعيمها مشتغلًا بالدعاء إلى الله وإنذارهم بأسه ونقمته ليلًا ونهارًا من غير ملال ولا ضجر فعند ذلك نسبوه إلى الجنون فبرأه الله سبحانه وتعالى من الجنون فقال تعالى: {إن هو} يعني ما هو {إلا نذير مبين}. اهـ.

.قال أبو حيان:

{أولم يتفكّروا ما بصاحبهم من جنة إنّ هو إلا نذير مبِين}.
قال الحسن وقتادة: سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد ليلًا على الصفا فجعل يدعو قبائل قريش يا بني فلان يا بني يحذرهم ويدعوهم إلى الله تعالى، فقال بعض الكفار حين أصبحوا: هذا مجنون بات يصوّت حتى الصباح، وكانوا يقولون: شاعر مجنون فنفى الله عز وجل عنه ما قالوه، ثم أخبر أنه محذر من عذاب الله والآية باعثة لهم على التفكر في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وانتفاء الجنة عنه وهذا الاستفهام قيل: معناه التوبيخ، وقيل: التحريض على التأمل والجنة كما قال تعالى: {من الجنة والناس} والمعنى من مس جنة أو تخبيط جنة، وقيل: هي هيئة كالجلسة والركبة أريد بها المصدر أي ما بصاحبهم من جنون والظاهر أن {يتفكروا} معلّق عن الجملة المنفيّة وهي في موضع نصب بيتفكروا بعد إسقاط حرف الجر لأن التفكر من أعمال القلوب فيجوز تعليقه والمعنى أو لم يتأملوا ويتدبروا في انتفاء هذا الوصف عن الرسول فإنه منتف لا محالة ولا يمكن لمن أنعم الفكر في نسبة ذلك إليه، وقيل ثم مضمر محذوف أي فيعلموا ما بصاحبهم من جنة قالوا الحوفي، وزعم أن تفكّروا لا تعلّق لأنه لا يدخل على الجمل قال: ودلّ التفكر على العلم، وقال أصحابنا: إذا كان فعل القلب يتعدى بحرف جر قدرت الجملة في موضع جر بعد إسقاط حرف الجر ومنهم من زعم أنه يضمن الفعل الذي تعدى بنفسه إلى واحد أو بحرف جر إلى واحد معنى ما يتعدى إلى اثنين فتكون الجملة في موضع المفعولين فعلى هذين الوجهين لا حاجة إلى هذا المضمر الذي قدّره الحوفي، وقيل تمّ الكلام على قوله: {يتفكروا} ثم استأنف إخبارًا بانتفاء الجنة وإثبات النذارة، وقال أبو البقاء: في ما وجهان أحدهما: أنها باقية وفي الكلام حذف تقديره أو لم يتفكروا في قولهم به جنة، والثاني أنها استفهام أي أو لم يتفكروا أي شيء بصاحبهم من الجنون مع انتظام أقواله وأفعاله، وقيل هي بمعنى الذي تقديره أو لم يتفكروا في ما بصاحبهم وعلى هذا يكون الكلام خرج على زعمهم انتهى وهي تخريجات ضعيفة ينبغي أن ينزه القرآن عنها وتفكر مما ثبت في اللسان تعليقه فلا ينبغي أن يعدل عنه. اهـ.

.قال أبو السعود:

{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مّن جِنَّةٍ}.
كلامٌ مبتدأٌ مَسوقٌ لإنكار عدمِ تفكرهم في شأنه عليه الصلاة والسلام وجهلهم بحقيقة حالِه الموجبةِ للإيمان به وبما أنزل عليه من الآيات التي كذبوا بها، والهمزةُ للإنكار والتعجيبِ والتوبيخ، والواوُ للعطف على مقدر يستدعيه سِباقُ النظمِ الكريم وسياقهُ، و{ما} إما استفهاميةٌ إنكاريةٌ في محل الرفِع بالابتداء والخبرُ بصاحبهم، وإما نافيةٌ اسمُها جِنةٌ وخبرُها بصاحبهم، والجِنةُ من المصادر التي يُراد بها الهيئةُ كالرِّغبة والجِلْسة، وتنكيرُها للتقليل والتحقير، والجملةُ معلقةٌ لفعل التفكر لكونه من أفعال القلوب ومحلُها على الوجهين النصبُ على نزع الجارِّ أي أكذّبوا بها ولم يتفكروا في أي شيء من جنون ما كائنٍ بصاحبهم الذي هو أعظمُ الأمةِ الهادية بالحق وعليه أنزلت تلك الآيات، أو في أنه ليس بصاحبهم شيءٌ من جِنّة حتى يؤدِّيَهم التفكرُ في ذلك إلى الوقوف على صدقه وصحةِ نبوته فيؤمنوا به وبما أنزل عليه من الآيات، وقيل قد تم الكلامُ عند قوله تعالى: {أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُواْ} أي أكذّبوا بها ولم يفعلوا التفكرَ؟ ثم ابتُدىء فقيل: أيُّ شيءٍ بصاحبهم من جنة ما على طريقة الإنكار والتعجيب والتبكيت، أو قيل: ليس بصاحبهم شيءٌ منها، والتعبيرُ عنه عليه الصلاة والسلام بصاحبهم للإيذان بأن طولَ مصاحبتِهم له عليه الصلاة والسلام عن شائبة ما ذكر ففيه تأكيدٌ للنكير وتشديدٌ له، والتعرضُ لنفي الجنونِ عنه عليه الصلاة والسلام مع وضوح استحالةِ ثبوتِه له عليه الصلاة والسلام لما أن التكلمَ بما هو خارقٌ لقضية العقولِ والعادات لا يصدُر إلا عمن به مسُّ الجنونِ كيفما اتفق من غير أن يكون له أصلٌ ومعنى، أو عمن له تأييد إلهي يخبر به عن الأمور الغيبية، وإذ ليس به عليه السلام شائبةُ الأولِ تعين أنه عليه الصلاة والسلام مؤيدٌ من عند الله تعالى، وقيل: إنه عليه الصلاة والسلام علا الصفا ليلًا فجعل يدعو قريشًا فخِذًا فخِذًا يحذّرهم بأسَ الله تعالى فقال قائلُهم: إن صاحبَكم هذا لمجنونٌ بات يهوت إلى الصباح فنزلت. فالتصريحُ بنفي الجنونِ حينئذ للرد على عظيمتهم الشنعاءِ، والتعبيرُ عنه عليه الصلاة والسلام بصاحبهم واردٌ على شاكلة كلامِهم مع ما فيه من النكتة المذكورة، وقوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} جملةٌ مقررة لمضمون ما قبلها ومبينةٌ لحقيقة حالِه عليه الصلاة والسلام على منهاج قوله تعالى: {إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} بعد قوله تعالى: {مَا هذا بَشَرًا} أي ما هو صلى الله عليه وسلم إلا مبالغٌ في الإنذار مظهرٌ له غايةَ الإظهار إبرازًا لكمال الرأفةِ ومبالغةً في الإعذار. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)}.
ثم إنه سبحانه وتعالى لما بالغ في تهديد الملحدين المعرضين الغافلين عن آياته والإيمان برسوله عليه الصلاة والسلام عقب ذلك على ما قيل بالجواب عن شبهتهم وإنكار عدم تفكرهم فقال عز من قائل: {أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة} فالهمزة للإنكار والتوبيخ والواو للعطف على مقدر يستدعيه السياق والسباق والخلاف في مثل هذا التركيب مشهور وقد تقدمت الإشارة إليه.
و{ما} قال أبو البقاء تحتمل أن تكون إستفهامية إنكارية في محل الرفع بالإبتداء والخبر {بصاحبهم} وأن تكون نافية إسمها {جنة} وخبرها {بصاحبهم} وجوز أن تكون موصولة وفيه بعد والجنة مصدر كالجلسة بمعنى الجنون وليس المراد به الجن كما في قوله تعالى: {من الجنة والناس} لأنه يحتاج إلى تقدير مضاف أي مس جنة أو تخبطها والتنكير للتقليل والتحقير والتفكر التأمل وأعمال الخاطر في الأمر وهو من أفعال القلوب فحكمه حكمها في أمر التعليق ومحل الجملة على الوجهين النصب على نزع الخافض ومحل الموصول نصب على ذلك في الوجه الأخير أي أكذبوا ولم يتفكروا في أي شيء من جنون ما كائن بصاحبهم الذي هو أعظم الهادين للحق وعليه أنزلت الآيات أو في أنه ليس بصاحبهم من جنة حتى يؤديهم التفكر في ذلك إلى الوقوف على صدقه وصحة نبوته فيؤمنوا به وبما أنزل عليه من الأيات أو في الذي بصاحبهم من جنة بزعمهم ليعلموا أن ذلك ليس من الجنة في شيء فيؤمنوا واختار الطبرسي أن الكلام قد تم عند قوله تعالى: {أولم يتفكروا} أي أكذبوا ولم يتفكروا في أقواله وأفعاله أو أولم يفعلوا التفكر ثم ابتدىء فقيل أي شيء بصاحبهم من جنة ما على طريقة الإنكار والتعجيب والتبكيت أو قيل ليس بصاحبهم شيء منها والمراد بصاحبهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والتعبير عنه عليه الصلاة والسلام بذلك لتأكيد النكير وتشديده لأن الصحبة مما يطلعهم على نزاهته صلى الله تعالى عليه وسلم عن شائبة مما ذكر والتعرض لنفي الجنون عنه عليه الصلاة والسلام مع وضوح إستحالة ثبوته له لما أن المتكلم بما هو خارق لا يصدر إلا عمن به مس من الجنة كيفما اتفق من غير أن يكون له أصل أو عمن له تأييدا إلهي يخبر به عن الغيوب وإذ ليس به عليه الصلاة والسلام شيء من الأول تعين الثاني وأخرج ابن جرير وغيره عن قتادة قال ذكر لنا أن نبي الله صلى الله تعالى عليه وسلم قام على الصفا فدعا قريشا فخذا فخذا يا بني فلان يحذرهم بأس الله تعالى ووقائعه إلى الصباح حتى قال قائلهم إن صاحبكم هذا لمجنون بات يهوت حتى أصبح فأنزل الله تعالى الآية وعليه فالتصريح بنفي الجنون للرد على عظيمتهم الشنعاء عند من له أدنى عقل والعبير بصاحبهم وارد على مشاكلة كلامهم مع ما فيه من النكتة السالفة وذكر بعضهم في سبب النزول أنهم كانوا إذا رأوا ما يعرض له صلى الله تعالى عليه وسلم من برحاء الوحي قالوا جن فنزلت: {إن هو إلا نذير مبين} تقرير لما قبله وتكذيب لهم فيما يزعمونه حيث تبين فيه حقيقة حاله صلى الله تعالى عليه وسلم أي ما هو عليه الصلاة والسلام إلا مبالغ في الإنذار مظهر له غاية الإظهار. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)}.
لما كان تكذيبهم بالآيات منبعثًا عن تكذيبهم من جاء بها، وناشئًا عن ظن أن آيات الله لا يجيء بها البشر، وأن مَن يدعي أنه مرسل من الله مجنون، عقب الإخبار عن المكذبين ووعيدهم بدعوتهم للنظر في حال الرسول، وأنه ليس بمجنون كما يزعمون.
واستعمال العرب همزة الاستفهام مع حروف العطف المشركة في الحكم استعمال عجيب تقدم بيانه عند قوله تعالى: {أفكلما جاءكم رسولٌ بما لا تهوى أنفسكم أستكبرتم} في سورة البقرة (87).
والجملة مستأنفة، وهي ابتداء كلام في محاجتهم وتنبيههم بعد الإخبار عنهم بأنهم مستدرجون ومملى لهم.
والاستفهام للتعجيب من حالهم والانكار عليهم، و{ما} في قوله: {ما بصاحبهم من جنة} نافية كما يؤذن به دخول {من} على منفى ما، لتأكيد الاستغراق.
وفعل {يتفكروا} منزل منزلة اللازم، فلا يقدر له متعلق للاستغناء عن ذلك بما دل عليه النفي في قوله: {ما بصاحبهم من جنة} أي ألم يكونوا من المفكرين أهل النظر، والفعل المعلق عن العمل لا يقدر له مفعول ولا متعلق.
والمقصود من تعليق الفعل هو الانتقال من علم الظان إلى تحقيق الخبر المظنون وجعله قضية مستقلة، فيصير الكلام بمنزلة خبرين خبر من جانب الظان ونحوه، وخبر من جانب المتكلم دخل في قسم الواقعات فنحو قوله تعالى: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} [الأنبياء: 65] هو في قوة أن يقال: لقد علمت لا ينطقون ما هؤلاء ينطقون، أي ذلك علمك وهذا علمي، وقوله هنا: {أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة} في قوة: أو لم يتفكروا صاحبهم غير مجنون، ما بصاحبهم من جنة.
فتعليق أفعال القلب ضرب من ضروب الإيجاز، وأحسب هذا هو الغرض من أسلوب التعليق لم يُنبه عليه علماء المعاني، وأن خصائص العربية لا تنحصر.
والصاحب حقيقته الذي يلازم غيره في حالة من سفر أو نحوه، ومنه قوله تعالى: {يا صاحبي السجن} [يوسف: 41]، وسميت الزوجة صاحبة، ويطلق مجازًا على الذي له مع غيره حادث عظيم وخبر، تنزيلًا لملازمة الذكر منزلة ملازمة الذات، ومنه قول أبي معبد الخزاعي لامرأته، أم معبد، لما أخبرته بدخول النبي صلى الله عليه وسلم بيتها في طريق الهجرة ووصفت له هديه وبركتَه: «هذا صاحب قريش»، وقولُ الحجاج في بعض خطبه لأهل العراق «ألَسْتُم أصحابي بالأهواز حين رمتم الغدر واستبطنتُم الكفر» يريد أنهم الذين قاتلوه بالأهواز، فمعنى كونهم أصحابه أنه كثر اشتغاله بهم، وقول الفضل بن عبّاس اللّهَبي:
كلُّ له نيّةٌ في بُغْض صاحبه ** بنعمة اللَّه نقليكم وتقلونا

فوصفُ الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه صاحب الذين كذبوا بالآيات: هو بمعنى الذي اشتغلوا بشأنه ولزموا الخوض في أمره، وقد تكرر ذلك في القرآن كقوله تعالى: {وما صاحبكم بمجنونٍ} [التكوير: 22].
والجنة بكسر الجيم اسم للجنون، وهو الخبال الذي يعتري الإنسان من أثر مسّ الجن إيّاه في عرف الناس، ولذلك علقت الجنة بفعل الكون المقدر، بحرف الباء الدال على الملابسة.
وإنما أنكر عليهم وعُجّب من إعراضهم عن التفكر في شأن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه غير مجنون، ردًا عليهم وصفهم إياه بالجنون {وقالوا يا أيها الذي نُزّل عليه الذكر إنك لمجنون} [الحجر: 6]، {وقالوا معلمٌ مجنونٌ} [الدخان: 14] وهذا كقوله تعالى: {وما صاحبكم بمجنون} [التكوير: 22].
وجملة: {إن هو إلا نذير مبين} استئناف بياني لجواب سائِل منهم يقول: فماذا شأنه، أو هي تقرير لحكم جملة: {ما بصاحبهم من جنة} ففصلت لكمال الاتصال بينهما المغني عن العطف.
والنذير المحذر من شيء يضر، وأصله الذي يخبر القوم بقدوم عدوهم، ومنه المثل أنا النذير العُريان يقال أنذر نذارة بكسر النون مثل بشارة فهو منذر ونذير.
وهذا مما جاء فيه فعيل في موضع مُفْعل، مثل الحكيم، بمعنى المحكم، وقول عمرو بن معدي كرب:
أمنْ رَيْحانةَ الداعي السميعُ

أي المُسْمع.
والمبين اسم فاعل من أبان إذا أوضح، ووقع هذا الوصف عقب الإخبار بـ {نذير} يقتضي أنه وصف للخبر، فالمعنى أنه النذير المبين لنذارته بحيث لا يغادر شكًا في صدقه، ولا في تصوير الحال المحذر منها، فالغرض من اتباع النذير بوصف المبين التعريض بالذين لم ينصاعوا لنذارته، ولم يأخذوا حذرهم من شر ما حذرهم منه، وذلك يقطع عذرهم.
ويجوز جعل {مبين} خبرًا ثانيًا عن ضمير صاحبهم، والمعنى أنه نذير وأنه مبين فيما يبلغه من نذارة وغيرها.
والقصر المستفاد من النفي والاستثناء قصر موصوف على صفة، وهو يقتضي انحصار أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم في النذارة والبيان، وذلك قصر إضافي، هو قصر قلب، أي هو نذير مبين لا مجنون كما يزعمون، وفي هذا استغباء أو تسفيهٌ لهم بأن حاله لا يلتبس بحال المجنون للبون الواضح بين حال النذارة البينة وحال هذيان المجنون.
فدعواهم جنونه: إما غباوة منهم بحيث التبست عليهم الحقائق المتمايزة، وإما مكابرة وعناد وافتراء على الرسول. اهـ.